دور التربية والتعليم في الخروج الآمن
من أزمة القيم والمبادئ والأخلاق
د. خاطر الشافعي
ليس بخافٍ على كل ذي عقلٍ لبيب، ما أصاب جسدَ القِيَم والمبادئ والأخلاق من أمراض، وما اعتراه من وَهَن، بعدما طالتْه غزوات الفِكْر الخبيث، ومخطَّطات الغزو الفكري على كافة الأصعدة من ناحية، وما شاب تلك القيمَ من اهتزاز وطَمْس وتغييب بتقصيرنا وإهمالنا من ناحيةٍ أخرى.
لم تَعُد القضية في التشخيص؛ فالمرض بادٍ للعيان، وتبقى القضيَّة الوقوف على علاج ناجع ونافع اليوم قبل الغد؛ فالأعراض تتضاعف بمرور الزمن، فماذا نحن فاعلون؟!
بعد أن طفَّ الصاع، واتَّسع الخَرْق على الراقع، لم يبقَ الاعتراف بالمرض وحده كافيًا، فالجسد يئنُّ، والقِيَم تشتكي، والمبادئ تَستصرِخ فينا ديننا وهُويَّتنا، وحجم المخاطر التي تَحيق بنا وبأطفالنا وشبابنا من كل حَدَبٍ وصوب كبير جدًّا، وإذ لم ترتقِ الأمم بأخلاقها وقيمها ومبادئها، فأي ارتقاء نرتجيه، ونحن لا نُنصِف قِيمَنا ومبادئنا؟! ناهيك عن المسؤولية الشرعية والاجتماعية، بل والإنسانية عن الإهمال والتقصير، حتى صِرْنا نغضُّ الطرْفَ عن أمور نَحسَبها هيِّنة، غير مُنتبهين إلى أنَّ الأصل في النار أن معظمها من مُستصغَر الشَّرر.
نحن في حاجة ماسَّة إلى إحياء القيم، وإعادة صياغة ما هو كائن بما يتناسب مع مبادئنا، فالأمراض تُصيبنا في ظلِّ إهمالنا وتقصيرنا وتمييع قِيَمنا، بعدما طَفَت أمواج الفِكْر المادي البحْت على شواطئ فِكْرنا، فلا نحن أجَدْنا العومَ، ولا نحن نأينا بأنفسنا عن مواطن البَلل، وأصبح لِزامًا علينا البحثُ عن سبيل آمن للخروج من هذا النَّفق المظلِم، الذي لا يُناسبنا كمسلمين مُكلَّفين بإعزاز ديننا، ورفْع رايته، وإبراز هُويَّتنا الراقية فِكْرًا وسلوكًا.
وتبقى البداية المنطقيَّة لرأبِ هذا الصدع، وإصلاح هاتيك العيوب، هي في الاهتمام بالطفل العربي والمسلم تربيةً وتعليمًا، فينبغي أن نَقِف بصدق على أساليب تربيتنا لأطفالنا، وطُرُق تعليمهم، ومناهج دراستهم ومواءمتها لقِيمنا ومبادئنا، ولا بد أن نعي أوجهَ القصور التي تعتري العمليةَ التربوية والتعليمية؛ إذ لا بد من :
أولاً : الإقرار بأنَّ الأسلوب التربوي الإسلامي هو الأسلوب الأمثل لتكوين شخصيات تؤمن بحكمة وجودها من ناحية، وتَعتزُّ بدينها وهُويَّتها من ناحيةٍ أخرى.
ثانيًا : رسْم القدوة الحسنة في البيت والمدرسة، (فضرب الكبار على الدُّف) يجعل من مجرد التفكير في رفْض (رقص الصغار) أمرًا عبثيًّا، فمن رَحِم القدوة الحسنة تُولَد القِيَم، وليس هناك أعظم من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم قُدوةً ومثلاً، فهو خير من جاء الوجود.
ثالثًا : بثُّ رُوح الاعتزاز بالهُويَّة الإسلامية والعربية، والغَيرة عليها، فليس من المنطق أبدًا أن يجيد الطفل العربي اللغات الأجنبية، وهو لا يُجيد لغتَه الأم، ولا يعرف الفرقَ بين الألف والياء.
رابعًا : الإيمان بأن التعليم الجيد هو سبيل تَقدُّم الأمم، ولا يمكن التوصل إلى منظومة تعليمية جيدة من دون إعداد مُعلِّم جيد تؤهِّله مُقوِّماته لإعداد جيل قوي يَنهَض بالأمة، وفي سبيل ذلك لابد أن تهتمَّ الحكومات بالمعلم، وتُحسِّن من ظروفه المعيشيَّة بما لا يفتح مجالاً لاهتزاز العلاقة بينه كقدوة وبين تلميذه كمُتلقٍّ للقِيم.
خامسًا : الإلمام بمختلِف الثقافات بما لا يطغى على الثقافة الأم (وهو السائد الآن!)، وبما يضمن إلمامًا بالمخاطر الفكريَّة، ومواجهة الغزوات الثقافيَّة التي لا تهدأ ضدَّ ديننا وهُويَّتنا.
حمى الله أطفالَنا وشبابنا، ونفع بهم الأمة، وأعزَّ بهم الدين!