دور الإعلام في الخروج الآمن من أزمة القيم والمبادئ والأخلاق
د. خاطر الشافعي
لا يستطيع أحد أن ينكر العلاقة الكبيرة بين وسائل الإعلام بأشكالها المُتعددة من ناحية، وبين تشكيل الفكر والوجدان من ناحيةٍ أخرى، بعدما صار العالم كله صغيرًا جدًّا على رحابته، وضيقًا جدًّا رغم اتساعه.
ومما لا شكَّ فيه أنَّ الإعلام الصادق يَرتقي بالفكر والوجدان، ويساهم في نهضة الشعوب والمُجتمعات، فإن طالتْه يدُ التوجيه وعدم المِصداقية، تُصبح كل القيم والمبادئ على المحكِّ.
ولا شكَّ أن نقد الذات بشفافية ومصداقية يجعل من الوقوف على العيوب التي اعترَت منظومة الإعلام في مجتمعنا، أمرًا باعِثًا على الأمل في إصلاحها، ورأب الصدع الذي أصاب منظومة القِيَم؛ إذ إن الحقيقة على مُرِّها أفضل كثيرًا من مغالطة النفس، التي تُغلِق باب الأمل في العلاج، وتجعل من محاولات الإصلاح الإعلامي دربًا من دروب الخيال، وما أكثرَها في هذا الزمان!
إنَّ عين الحق والحقيقة تقتضي مِنا رصد وتحليل الأخطاء، وتوظيف الحِكمة بمَفهومها الصحيح، الذي وضعنا عليه ديننا، ومنه انبثقت كل مبادئنا وقيَمنا السامية.
إنَّ النظر بعين الحكمة سيَضعنا أمام بلورة إجابات لأسئلة يَفرِضها الواقع الذي يئنُّ من مظاهر أزمة القِيَم، وسيضعنا أمام البحث عن حلولٍ ناجعات لمشاكل لا تَخفى على أحد، فالأمر خطير؛ وقِيَمنا ومبادئنا تَستصرِخ فينا صحوةً لإعزازِها وإحياء الغائب منها، فنحن أبناء الدين الحنيف، الذي أهدى البشرية كلها أسمى القِيَم.
إنَّ كمَّ المخاطر التي تحيق بالقِيَم نتيجة افتقار العمل الإعلامي لمعايير تتَّفق وميثاق الشرف الإعلامي - كبيرٌ جدًّا، بعدما وطِئَ أرضَه غيرُ المُختصِّين، من ذوي الشهرة والمال، الذين يفتقدون مُقوِّمات (العمل الإعلامي)، فلا بدَّ مِن رسم خريطة للعمل الإعلامي تضع أُسُسًا للمُمارسة الإعلامية، بمُختلف أشكالها، بمعايير تتَّفق وقيمنا ومبادئنا، مع سنِّ القوانين اللازمة لتقويم العمل الإعلامي الخاص.
لا بدَّ أن يكون الإعلام صادقًا مُنصِفًا للحق والحقيقة.
لا بدَّ من البعد عن الإسفاف والتفاهة وتطهير الحقل الإعلامي من الدخلاء عليه، الذين لا همَّ لهم إلا الكسب، ولو على حساب القيم، وفي هذا الإطار يتحمَّل الإعلاميين الجانب الأكبر من المسؤولية، في إطار العمل النقابي الذي يَحمي قيم المهنة ومبادئها؛ فالمطلوب هو إعلام يعزِّز القِيَم ويُثري المبادئ، ويُنير للمعرفة مكان الطريق ألف طريق، لا أن يصمَّ الآذان بما لا يليق، أو العين بما لا يصح!
لا بدَّ من إعلامٍ يقدِّم الحقيقة مُجرَّدة دونما توجيه، بل يترك مساحةً للعقل أن يفكر ويُحلِّل ويختار؛ فزمن (فرض الأفكار) قد ولَّى بغير رجعة؛ فلا بد أن تُحتَرَم العقول.
نريد إعلامًا نظيفًا، بعيدًا عن أهواء السلطة والمال، ويُراعي قيمة الكلمة وحُرْمة البيوت!
المطلوب (إعلام يحترم قيمة الإنسان)؛ فمِن العار أنَّ (الفوضى الأخلاقية) التي يعيشها البشر لا وجود لها عند كثيرٍ من المخلوقات، مع أنَّ الله - سبحانه وتعالى - ميَّزنا بالعقل!
اللَّهم أرِنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأَرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم.