الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل المرسلين
وبعد،
أنقل هنا عن هذا الشهر من كتاب لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي رحمه الله، بغير تصرف لكن ببعض تقديم وتأخير وإضافة عناونين فرعية. وبعد،
أفضل الأشهر شهر الله الذي تدعونه المحرم:
وقد اختلف العلماء في أي الأشهر الحرم أفضل؟ فقال الحسن وغيره أفضلها شهر الله المحرم، ورجحه طائفة من المتأخرين. وروى وهب بن جرير عن قرة بن خالد عن الحسن قال: إن الله افتتح السنة بشهر حرام، وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم. وكان يسمى شهر الله الأصم من شدة تحريمه. وقد روي عنه مرفوعا ومرسلا، قال آدم بن أبي إياس: حدثنا أبو الهلال الراسبي عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل الأوسط، وأفضل الشهور بعد شهر رمضان المحرم، وهو شهر الله الأصم)، وخرج النسائي من حديث أبي ذر قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الليل خير وأي الأشهر أفضل ؟ فقال: (خير الليل جوفه وأفضل الأشهر شهر الله الذي تدعونه المحرم). وإطلاقه في هذا الحديث أفضل الأشهر محمول على ما بعد رمضان، كما في رواية الحسن المرسلة، وقال سعيد بن جبير وغيره:(أفضل الأشهر الحرم ذو القعدة أو ذو الحجة)، بل قد قيل: إنه أفضل الأشهر مطلقا.
أفضل الصيام بعد شهر رمضان، شهر الله الذي تدعونه المحرم:
وقد خرّج مسلم رحمه الله، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أفضل الصيام بعد شهر رمضان، شهر الله الذي تدعونه المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل). وهذا الحديث صريح في أن أفضل ما تطوع به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم، وقد يحتمل أن يراد: أنه أفضل شهر تطوع بصيامه كاملا بعد رمضان، فأما بعض التطوع ببعض شهر فقد يكون أفضل من بعض أيامه كصيام يوم عرفه أو عشر ذي الحجة أو ستة أيام من شوال ونحو ذلك. ويشهد لهذا ما خرجه الترمذي من حديث علي أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أخبرني بشهر أصومه بعد شهر رمضان ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت صائما شهرا بعد رمضان فصم المحرم، فإنه شهر الله، وفيه يوم تاب الله فيه على قوم ويتوب على آخرين). وفي إسناده مقال، ولكن يقال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شهر شعبان ولم ينقل أنه كان يصوم المحرم، إنما كان يصوم عاشوراء. وقوله في آخر سنة: (لئن عشت إلى قابل لأصومنّ التاسع) يدل على أنه كان لا يصوم التاسع قبل ذلك.
المحرم شهر الله، وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله:
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله، وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته، كما نسب محمدا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء صلوات الله عليهم إلى عبوديته، ونسب إليه بيته وناقته. ولما كان هذا الشهر مختصا بإضافته إلى الله تعالى، وكان الصيام من بين الأعمال مضافا إلى الله تعالى، فإنه له من بين الأعمال ناسب أن يختص هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إليه المختص به وهو الصيام. وقد قيل في معنى إضافة هذا الشهر إلى الله عز وجل: إنه إشارة إلى أن تحريمه إلى الله عز وجل ليس لأحد تبديله،كما كانت الجاهلية يحلونه ويحرمون مكانه صفرا، فأشار إلى شهر الله الذي حرمه فليس لأحد من خلقه تبديل ذلك وتغييره. والحمد لله رب العالمين